الأفلام تُمنع وتُعرض طبقاً للأهواء الشخصية عصر مبارك كان الأكثر حُريَّة في تاريخ السينما المصرية.. والأكثر فوضى

مشهد من فيلم "طباخ الريس"
                              مشهد من فيلم "طباخ الريس"وصف أحد النقاد السينمائيين عصر الرئيس السابق حسني مبارك بأنه أكثر العصور حرية، خصوصاً أنه شهد أفلاماً تتعرض لشخصية الرئيس نفسه سواء بالسلب أو الإيجاب كـ"الديكتاتور" أو "طباخ الرئيس" أو "ظاظا رئيس جمهورية"، عكس الرئيس السادات الذي ادعى أنه ليبرالي وكانت فترته شهدت أوسع مساحات للعري في السينما ولكنه كان لا يسمح بانتقاده هو شخصياً.

أفلام تُعرض بحسب الأهواء

ووفقاً لصحيفة "الشروق الجديد" المصرية، يقول الباحث والناقد السينمائي محمود قاسم عن مبارك: "كان يملك وزير ثقافة مستنيراً يحمل روحاً أوروبية، وفي عهده ظهرت أفلام كثيرة تنتقد الداخلية وغيرها من مظاهر الفساد. وتحدث قاسم عن بعض الرقباء الذين تولوا المسؤولية إبان عهد مبارك، والذين حملهم الكثير من مظاهر الحرية التي رآها، فضرب مثلاً بعلي أبوشادي فيقول: رغم اختلافي الشديد مع أبوشادي، لكني لا أنكر عليه أنه كان رجلاً صاحب رؤية وقلم ولم يستخدم مقص الرقيب إلا قليلاً، عكس درية شرف الدين التي امتلأت فترتها بالمشكلات، وكذلك مدكور ثابت الذي أقام ما يسمى بمجلس شورى النقاد، ويستدرك: "لكني أذكر أن أجرأ الرقباء في تاريخ الرقابة كان مصطفى درويش".

ومن جهته، اختلف الرقيب السابق مصطفى درويش كلياً مع ما قاله قاسم في ما يخص عصر مبارك، فقال: لم يكن عصر مبارك بالأكثر حرية ولكنه الأكثر فوضى. فكانت الأفلام تُمنع وتعرض طبقاً للأهواء الشخصية وطبقاً لاسم صنّاعها، فإذا كانوا حاصلين على رضا بشكل ما تعبر أفلامهم وإن كانوا غير حاصلين على نفس الرضا تمنع أفلامهم.

تناقضات عصر السادات

ورأى الباحث محمود علي أن عصر السادات تميز بـ"قمة التناقضات" الذي حاول فيه الرئيس الراحل أن يظهر للجميع بمظهر المتحرر الليبرالي، واستغل هذا لتشويه العهد الناصري، كما جاء في كتابه "100 عام على الرقابة" فيقول: "بعد ناصر خرجت الموجة الأولى من الأفلام المضادة لثورة يوليو باسم ثورة التصحيح، وصار حكم ناصر يرتبط بالإرهاب والتعذيب ومراكز القوى في سلسلة من الأفلام طوال السبعينات مثل "الكرنك" و"وراء الشمس" و"آه يا ليل يا زمن" و"امرأة من زجاج" و"احنا بتوع الأتوبيس"، وهي أفلام لم تطلق لها الحرية من أجل الحرية، ولكن نكاية في نظام ناصر ونفاقاً للعهد الجديد، وإن تفاوتت درجات صدقها في التعبير، ثم بعد ذلك ونكاية في اليسار المصري، أطلق السادات الحرية للتيارات الدينية التي صار لها الغلبة خلال سنوات قليلة".

ويظهر الباحث والناقد السينمائي محمود علي في كتابه تلك المحاولات لمغازلة التيار الديني على يد السادات، وذلك بصدور قرار رقم 220 لسنة 76 الذي استنسخ قرارات فبراير 47 الرقابية، وزاد عليها في ما يتعلق بالشأن الديني، فلم يكتف القرار بعدم ظهور صورة النبي محمد صراحة أو رمزاً، بل أضاف إليها "صورة أحد الخلفاء الراشدين وأهل البيت والعشرة المبشرين بالجنة أو سماع أصواتهم، وكذلك صورة السيد المسيح أو أحد من الأنبياء عموماً"، على أن يراعى الرجوع في كل هذا إلى الجهات الدينية المختصة، أي أنشأ صراحة رقابة دينية بجوار الرقابة الرسمية.

ويضيف: "لكن المفارقة الفعلية أنه، ورغم مغازلة التيار الديني، إلا أن عصر السادات كان أكثر العصور إباحة للعري في السينما".

العصر الناصري والجيش

وفي المقابل، تحدث الناقد مصطفى درويش عن العصر الناصري، وتحديداً في الفترة التي تولى فيها الرقابة، والتي تزامنت مع نكسة 67 فيقول: "بعد النكسة انشغل الرئيس بما حدث للبلد وبخلافاته مع عبدالحكيم عامر، فكانت هذه هي فرصتي الكبيرة لأعمل بحرية، وأستطيع القول إنها الفترة الذهبية للرقابة، ولكني قمت بمنع جميع الأفلام التي أتتني عن القوات المسلحة، لأنها كانت تريد قلب الحقيقة، وإظهار الجيش بمظهر القوي، وهو ما خشيت أن يسبب غضباً شعبياً أكبر لدى الجمهور اليائس المحتقن".

ويزيد: "لكني لاحظت ظاهرة غريبة ألا وهي خوف المبدعين أنفسهم من الحرية، وعدم ثقتهم بها، فمثلاً فيلم "البوسطجي" في قصته الأصلية تجد قصة الحب بين فتاة أرثوذكسية وشاب بروتستاني وهو ما غيره صناع العمل وحدهم خوفاً من الرقابة رغم أنني دعوتهم كثيراً إلى العمل بحرية، وعندما سمحت بعرض الأفلام الأجنبية كاملة دون حذف، هاجمني المبدعون خوفاً من تأثير الفيلم الأجنبي على المصري عندما يعرض دون حذف، ولم يحاول أحد استغلال هذا الهامش من الحرية".

وتجدر الإشارة إلى محاولات الباحث محمود علي التوصل إلى أولى اللوائح المكتوبة رقابياً، لكنه لم يجد – بحسب ما ذكره في الكتاب - إلا واقعة استجواب لوزير الداخلية المصري عام 28 بمجلس النواب عن انتشار الصور الخليعة في المجلات والروايات الخليعة على المسارح، وكان هذا ممنوعاً، ولكن بقانون العقوبات وليس بقانون رقابي بالمادة 155 من قانون العقوبات.

ويصل الباحث بعد هذا الاستجواب إلى الآتي: "أنه وفي نهاية نفس العام اجتمعت لجنة تهدف إلى منع ارتكاب الجرائم أو مسّ الأخلاق أو الآداب العامة أو الأديان السماوية، ومنع تعاليم خطيرة كالشيوعية وغيرها، ويظهر التعبير الأخير لأول مرة في قاموس الرقابة السينمائية".

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Translation


About this blog

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المتابعون

فيديو هات

أرشيف المدونة

عينة نص

صور

بحث هذه المدونة الإلكترونية

إعلان