المصالحة بين فتح وحماس في مِرآة التغييرات الإقليمية وقبيل الخطوة المرتقبة في الأمم المتحدة


اتفاق فتح وحماس جزء لا يتجزأ من التقلبات في المنطقة
من الواضح أن اتفاق المصالحة المفاجئ بين فتح وحماس بات جزءاً لا يتجزأ من التقلبات التي يمر بها العالم العربي وتغييراً للمحيط الاستراتيجي الذي يعيش فيه الفلسطينيون. فبينما أدت التغيرات في مصر إلى تعزيز حكومة حماس في غزة، ازدادت الصعوبات التي يواجهها الرئيس الأسد في سوريا لتضع علامة استفهام على استمرار وجود حماس في دمشق.
تأثير الاحتجاجات في سوريا على حماس
تعتبر حركة الإخوان المسلمين من بين القوى الرائدة التي تقود الثورة في سوريا. كل من يشاهد قناة "الجزيرة" الفضائية يرى أن المحطة مرت بتغيير حاد فيما يتعلق بتغطية الأحداث الجارية في سوريا على أعلى المستويات. وقد جاء هذا التغيير نتيجة لقرار إدارة المحطة التي يعمل على رأسها أفراد ينتمون للحركة الإسلامية على نحو خاص، ووصل الحد إلى مطالبة المتحدث الرئيسي باسم الإخوان المسلمين، الشيخ يوسف القرضاوي، بإسقاط نظام الأسد. لقد أصبح من الواضح بالنسبة للجميع أن الأسد سوف يطلب من حركة حماس إما مغادرة دمشق أو على الأقل الحد من الحريات التي تمتعت بها الحركة في حال تغلبه على معارضيه.
حماس تبحث عن مركز نشاط بديل
في ظل هذه التغيرات، لا بد لمنظمة حماس أن تبحث لها عن عنوان جديد، والاختيار الصعب هذه المرة هو مصر. على الرغم من كل التعاطف مع حماس، لن توافق مصر على أن تلتحم حكة حماس المتشددة مع حركة الإخوان المسلمين في القاهرة التي هي بالأساس حركة سياسية.
بالنسبة لدولة قطر، التي تمر حالياً بنوع من النزاع المرير مع ليبيا وسوريا، تخشى هي الأخرى من وجود منظمة حماس المتشددة في الدوحة، مع أنها تشجع إسقاط النظام في سوريا وتساعد الثوار في بنغازي بشكل مباشر من خلال تصدير النفط الخاص بهم من أجل تمويل استمرار الحرب ضد القذافي. يذكر أن القذافي كان قد تحدث بوضوح عن نيته الانتقام من قطر.
المصلحة الأردنية من المصالحة: الاعتراف بدولة فلسطينية غربي الأردن
الخيار المتبقي أمام حماس هو في الواقع العودة إلى عمان. وبالفعل، جرت في الأسبوع الماضي محادثات لم يتم الكشف عن مضمونها بين حماس والحكومة الأردنية في العاصمة الأردنية. من المحتمل أن تكون منظمة حماس قد فكرت بإمكانية العودة إلى الأردن وفتح مكاتبها في عمان، والافتراض المعقول في هذه المسألة هو أن رد الأردن على ذلك ربما كان إيجابياً وممكناً فقط في حال اجتهدت حماس لاستكمال المفاوضات المضنية مع فتح من أجل المصالحة الفلسطينية الوطنية. يرى الأردن من خلال الإعلان عن إقامة دولة فلسطينية في يهودا والسامرة مصلحة عليا تلبي الطموحات القومية للفلسطينيين في الضفة الغربية وليس في الضفة الشرقية، وربما ستسهل المصالحة بين حماس وفتح على أبو مازن استكمال التحضيرات لخطوة من هذا النوع.
مصلحة فتح إنهاء مساعي حماس التخريبية قبيل الإعلان المرتقب في الأمم المتحدة
تفسر الأوساط الأردنية الأسباب التي دعت حركة فتح للقبول بهذا النوع من الاتفاق، فحركة فتح تخشى من المعوقات العملية لخطواتها على طريق الاعتراف بالدولة في أيلول القادم والمتمثلة بالمساعي المناهضة من طرف حركة حماس، وتخشى كذلك من إجراء انتخابات عامة، تشمل انتخابات للمجالس البلدية، في ظل الانفصال. يشار هنا إلى أن الاتحاد الأوروبي رأي في هذه الانتخابات نوعاً من الاختبار لقدرة الفلسطينيين على وضع أسس الحكم السليم، إذ كيف سيكون بوسع الفلسطينيين إقامة دولة مستقلة في حال عدم مقدرتهم على إجراء انتخابات، ولو على مستوى البلديات؟ على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي مصمم على الاعتراف بمشروع الدولة الفلسطينية، تبقى معارضة حماس للدولة وعدم قدرة الحكومة في رام الله على إجراء انتخابات ولو حتى على مستوى البلديات، تلقي بظلالها المضنية على مصداقية تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، التي أصبحت ناضجة لإقامة دولة مستقلة حسب تأكيدات السلطة الفلسطينية.
من هنا، التقت المصالح بين حماس التي تود إثبات وجودها في العالم المتغير في الشرق الأوسط وفتح التي أزالت خطر التخريب من قبل حماس في سعيها نحو مشروع الدولة الفلسطينية في أيلول القادم.
طموحات حماس الكبرى من القاهرة وليست من رام الله
على الرغم من الاتفاق مع حركة فتح، فإن تعزيز العلاقة مع القاهرة بالذات - وليس مع رام الله - هو خط السياسة الرئيسي بالنسبة لحماس منذ اليوم الذي سيطرت فيه على الحكم قبل خمس سنوات، فضلاً عن أن تعزيز قوة الإخوان المسلمين في القاهرة هو أمر يروق لحماس أكثر من التواصل مع رام الله، إذ يمكن لحماس من القاهرة أن تندمج مع الإخوان المسلمين في مشروع البدائل الإسلامية في المنطقة برمتها، بينما يتعارض التواصل مع رام الله مع توجهاته الحركة نحو إقامة دولة فلسطينية منقوصة. توجه كافة المتحدثين باسم حماس بالشكر لمصر على مساهمتها في التوصل إلى هذه الاتفاق، ومن الواضح تماماً أن حماس أرادت أن تساعد الحكم الجديد في مصر على أن يضع موطئ قدم له ويثبت مكانته كدولة مركزية في الشرق الأوسط. المقابل الذي تنتظره الحركة الآن هو فتح معبر رفح من جديد على مصراعيه كمعبر دولي رسمي بشكل تام. هذه نقطة الاختبار بالنسبة لحماس من مصر. وفي حال تحقق ذلك، فسوف تتعزز العلاقة بين القاهرة وغزة، لكن في حال تبين أن الحكم الجديد أيضاً يرفض فتح معبر رفح بالكامل، فإن علاقات حماس والقاهرة سوف تعود لتبرد من جديد.
الاتفاق يشير إلى تأجيل الخلافات الفعلية إلى موعد لاحق
من خلال إلقاء نظرة أولى على الاتفاق بين حركتي فتح وحماس تبرز أهمية الواجهة السياسية الخارجية الفلسطينية وقبول كلا الطرفين بمبدأ الإعلان عن الدولة المستقلة، لكن الاتفاق من الناحية الواقعية إداري اكثر ما هو فعلي، حيث تم تأجيل كافة المشاكل العالقة بين الطرفين، مثل قضية السيطرة على أجهزة الأمن، إلى موعد آخر بينما تقدم مسألة إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية مصلحة مشتركة للطرفين تتمثل في معارضة حكومة سلام فياض والتعاون الأمني مع إسرائيل.
معارضة فياض من داخل فتح، بما في ذلك أبو مازن، هي من الأسباب الأكثر تأثيراً على السياسية الفلسطينية الداخلية. ليس من الصدفة أن يتغيب وزير خارجية السلطة الفلسطينية رياض المالكي عن المشاركة في المفاوضات. ويشار هنا إلى أن حركة فتح طالبت مراراً وتكراراً ومنذ فترة طويلة بتبديل حكومة فياض بحكومة فتحاوية أو بدلاً من ذلك حكومة "محايدة" مع حماس وهذا يعني تقوية المليشيات. هذا هو الاختبار الرئيسي أمام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة: هل ستوافق الفصائل على إلغاء وشطب الإنجاز الأهم والوحيد الذي يمكن أن يشيروا إليه في الفترة التي تلت عرفات وهو إلغاء الفصائل والمليشيات وإقامة نظام أمني رسمي حكومي؟ هذا سؤال مفتوح لا يوجد عليه جواب حالياً في هذه المرحلة.
إطلاق سراح أسرى حماس ضربة لجهاز القضاء ولفياض
إذن، قبيل أيلول، سيتم تشكيل حكومة "مستقلة" تعكس المصالحة الوطنية الفلسطينية والوحدة بين غزة والضفة. وعلى أرض الواقع، سوف تبقى غزة إسلامية والضفة مفتوحة لاستيعاب تأثيرات إسلامية من غزة. وسوف يؤدي إطلاق سراح أسرى حماس من سجون الأمن الفلسطينية بقيادة فياض إلى زيادة التوتر الأمني بين إسرائيل والفلسطينيين من جهة، وسوف يمس بأمر آخر حاول فياض أن يقدمه للعالم الغربي، وهو استقلالية القضاء. وعندما يتم إطلاق سراح أسرى خطيرين بقرار سياسي دون العودة إلى القضاء، إذن أين النضج الفلسطيني في التعاملات والنظم الحكومية الرسمية؟
خلاصة القول: يجب النظر إلى اتفاق فتح وحماس كجزء من التغييرات التي يمر بها العالم العربي. لقد تزايدت قوة الواجهة السياسية في أعقاب الاتفاق، لكن التقدم نحو التعاملات الرسمية والحكم الفعلي تراجعت إلى الخلف إلى فترة الفصائل والمليشيات.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Translation


About this blog

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المتابعون

فيديو هات

أرشيف المدونة

عينة نص

صور

بحث هذه المدونة الإلكترونية

إعلان